الثلاثاء، ٢٦ يونيو ٢٠٠٧
إهداءْ :
لجَسَدي مُرتديًا ثَوب الثَباتِ حين تُخطيء قَدمي موطئها ..
لوجْهي مُتقنًا سِمة البشاشةِ حينَ ترتجفُ أفراحُ قلبي ..
مَدخلْ :
المساءُ يخيمُ في نَفْسي ،
المياهُ تَغربُ
على يديّ المعشوشبتين.
أجنحةٌ تترنحُ في سَماءٍ تتساقطُ
واهيةً ، القَلبُ يهاجرْ .
وأنا بَوارْ
والأيامُ ركامْ ..
كاسيمودر " لحن غريق"
( 1 )
" يا صبية ، مُبَايعة الجَسدِ ليحتلَ عُشَ النَوارسْ ، لن يشبهَ يومًا مُبَايعة الجَسدِ ليَحتلَ حَبْل المَشَانقْ "
قالتْ جدتي لي حِينَ غَفتْ وعيناها مفتوحتان !
( 2 )
تضيقُ بنا مَلامحنا القَدِيمة في المرايا ،
في أرْشِيفاتِ الصّور.
التصاقنا بحَشْرجةِ الكِبار ،
تِلاواتنا لقرآنٍ كذبٍ ،
يُبجلُ اتساخنا المُقَدس في وَحلٍ آثمْ .
" خطوطكَ القَدِيمة "
" هه ، مَاذا "
" مبادئك "
" هه ، لا أذكرْ "
و تَضجرُ منا تَوقِيعاتنا في دَفاترِ الصِحابِ ،
حَديثُ الوعودِ ،
الكلامُ المنمقُ المكتظُ بثرثرةِ الصِحَاب.
ثم نَنْسى !
" صَديقة "
" هه ، مَنْ "
" صديقتك "
" هه ، لا أذكرُ "
فتَخْنقني قَهْوةِ الصَباحِ بالابْتساماتِ السَخِيفة ،
التواءاتُ الرفاقِ لكَسْبِ القُوتْ .
الرَغِيفُ يُعَري الرجالَ أحيانًا !
( 3 )
إذا ما ضقتَ بِبياضِ أسْنانهم و انتفاخهم ب – معجون أسنانهم - ،
لَمْلم أشياءك وتَمَسكْ بِجذعِ نَخلة !
( 4 )
أشِيرُ لمكانٍ
لا تنظرهُ غَير أعْيُننا الضَئيلة
" هُنَاك ، انظرْ عِصْفورة "
تَتَزاحمُ ألوانُ فَرْحِنا ،
بَيْضاءٌ ،
بيضاءْ.
تَتَغافى في راحةِ كفوفنا
المُمتدة خطوطها نَحو الشَّمسِ ،
الشَّمسْ .
تَصْرعُ انْزلاقاتِ الغَيمِ الهَمَجيّة ،
فندْفنها في ثُقبٍ .
لا يَدري به سُواي ،
وسواه .
نَركنُ للسَماءِ ،
تُشاطرنا الكَيانْ
تُعلمنا ،
تُنَقينا ،
لتصطًفينا .
نَغفو في حِجْرها ، تُطبقُ فوقنا حُلمٌ ،
تُذيبُ بِه النَّارُ وَجْه المَاء !
ما زالَ ،
يُغمضُ عيناها ،
يمدُ كفه ،
يختطفُ قوسَ قزح من رحمِ المَدى .
يُهديهُ لها ،
يَنتشي مِنْ ضَحِكَاتها .
تُعَلمهُ كَيفَ يَخْتصرُ الحَياةَ ،
في تَوليفةٍ مِنْ أغنيةٍ وضَبابْ .
ما زالتْ ،
تَغمرهُ ،
وفِي لَحظةِ المَزجِ تُخْبره
" هُناك ، انظرْ عُصْفُورة "
يَنظرُ ،
يَعلمُ أنَّها تُمازحهُ ،
لكنه يحبُ أن ينصتُ إليها
تُكررُ ذاكَ المَنطوقِ بلغةٍ أخرى .
لغةٌ لا يُتْقنها سواها ،
وسواه .
تَخْتصُهُ بإرهاصاتِ كيانها ،
يَخْتصها بإنشطاراته بينَ يَديها .
يَبدوان واحدْ .
( 5 )
أرقبُ ذاتَ المكانِ و لا أراه .
أسْتَدعي وَجهَ الجِدار ،
لا أذكرْ .
أشيرُ لحيث يرى الجَميعُ
" انظرْ ، هُناكَ عصفورة "
لكنه لا يَلتفتْ .
( 6 )
نَحْتضنُ السَّماءَ ،
تُلقينا فَوقَ الأرضِ .
تَجتاحنا الثُقوب ،
تَنْسحبُ منا الشُمُوس ،
تُودِعنا الأفلاكَ المُستديرةْ .
تَنسانا .
تصطفي آخَرَين ،
لهم ذات ملامحنا .
أنسحبُ منه ،
ينسحبُ مني .
نَتعلمُ كيف نُجِيدُ الانحرافَ بالطرقِ ،
والانغماسَ بالصورْ .
نَتَغافى في صَدرِ الصورِ ،
نَنسى حُضنَ السَّماءْ .
نَتَعلمُ كيفَ نُزيلُ السَّماء
لنُقدسَ أشباها العِشرين .
نَتعلمُ أنْ نَنْتهي نَحو الوَجعْ .
نَنْسى غيره ،
يُصبحُ مَلمحنا الوَحِيد .
نَنظرُ في المَرايا ،
نتلو في صمتٍ
" ذَلكَ الوَجْه
كَيْفَ قدْ يبدُو بلا تَقْطيبةِ الوجعْ ؟! "
التسميات: جِهَاديَّات نَثر
الأربعاء، ١٣ يونيو ٢٠٠٧
الثلاثاء، ١ مايو ٢٠٠٧
مَيْدانٌ مُفْتَرضْ ..
" يا عسكري يا بو بندقية ، يا زينة الأمة العربية " هكذا أهمسُ بأذن والدي حين أجري نحوه وهو يزيحُ حقيبته الكبيرة ليفسحَ ليّ المكان في صدره الحنون ويخلعُ قبعة الجيش ليلبسني إياها فتتعالى ضحكاتنا ويتوجني بقبلة على جبيني ثم ينظر في عيناي ليقول " اشتقت إليكِ يا صغيرة ".
تقبلُ أمي وعيناها تلمعان ببريقٍ من الحنين يكشفُ شوقها فيحتضنها الوالد لتبكي فيبادرها بمرحه المعتاد " يا ستي اطمئني لا ناقص رجل و لا يد " فتبتسم له في حنان وما تلبث لحظة حتى تمسك ذراعه بقوة و عيناها تحتوي خوفًا غريب الملمح لتقول له في شجن " متى ستنتهي تلك الحرب لننعم ببقاءك هنا بيننا ؟! ، أنا ورنا نحتاجك ، لا أريد لرنا أن تمنح لقب اليتيمة يا عمرو !! " .
" ماما ، حسام أخذ كرتي ! " هكذا تخرجني سلمى ابنتي الصغيرة من طيف الذكريات الجميل الذي تبادر بخاطري في اندفاع عذب يملؤني بالدفء والشوق لوالداي رحمة الله عليهم ، ابتسم لها وأمسكُ بيدها وأضغط عليها بقوة وأشير لحسام أن يعطيها كرتها فيرميها لها بقوة وغضب فأدنو منه أقبل جبينه وأخرج من جيبي علكة لينسى أمر الكرة .
يندفع الاثنان أمامي في مرح وصخب طفولي علم بيتنا الفسيح كيف يجعل من أقتم لون بأركانه الكثيرة يشيع كلون صاخب مليئًا بالفرح ، مليئًا باليقظة ، مترقبًا في قلق ! .
يدق جرس الباب بذلك الرنين المنظم ذلك الرنين لا يشبه رنين آخر ، ثلاث رنات قصيرة ثم رنة طويلة ، هكذا كان يعلن دومًا حضوره ، يندفع حسام و سلمى يتسابقون لنيل شرف فتح الباب لصاحب الرنين الخاص و يتصايحون في جريهم " بابا ، بابا " ، وكالعادة يصل حسام أولًا و يفتح الباب ليحمله زوجي أسامة ويداعبه في حبٍ ثم تقبل سلمى باكيةً شاكية له حسام الذي سبقها و أخذ كرتها فيحملهما معًا واضعًا كل منهم على ذراع ثم يقول لحسام في مرح و استبشار " لماذا أغضبت أختك ؟ ، ألم أقل لك في غيابي أنت رجل البيت وعليك حماية أختك و أمك " فيرد حسام مبتسمًا " حسنًا يا بابا " فيتجه أسامة لسلمى و يبتسم لها في رفق و يقبلها و يقول لها " ذلك يكفي يا أميرتي ؟ " فترد أن لا وهي مقوسة حاجبيها فينزلهما مع على ذراعاه و يمثل أنه يضرب حسام ضربًا خفيفًا فتتهلل سلمى حين يدعي حسام أن يبكي في خبث فيحضنهما أسامة و هو يقول " أدام الله عليكما البهجة وجعلكما سندًا لبعضكما دومًا ".
كنتُ حين وصل أسامة أقف أراقبهم من بعيد منشرحة الصدر فهتفت و أنا أقبل نحوهم " وأطال الله عمرك كي تقر عينك بهم " فيلتفت لي ويبتسم وعيناه تلمعان في حبٍ ليرد عليّ و هو ينتصبُ " أنا و أنتِ ، آمين يا رب " ، ثم أقول له " هيا ، اذهب و أبدل ملابسك في حين أعد العشاء ".
انتهينا من العشاء و شرعت أعد حسام و سلمى للنوم لكن حسام كالعادة كان عنيدًا فأخذ يتقافز بأرجاء البيت وجعلني ألهث وراءه في مطاردة بدا فيها هو الغالب إلى أن اقترب من ذاك الركن الذي يجمع ذكرياتنا جميعًا في صور تذكارية فأمسكت به وألبسته ملابس نومه لتندفع أسئلة من طفلي الصغير عن الذكريات التي جمدتها هذه الصور الساكنة .
" ماما ، من هذا ؟"
" هذا عم والدك عميد العائلة ، كان طبيبًا كبيرًا في أيامه "
" وهذه أنتِ صحيح ، من معكِ ؟ "
" نعم هي أنا أيام الجامعة ، و هذه صديقتي أخت والدك "
" ماما ، ومن هذا الضابط ؟ " يبدو أن اللباس العسكري لفت انتباه حسام إلى حد بعيد.
" هذا جدك ، والدي ، أحد هؤلاء الشهداء بالحرب "
أثار بي ذلك الحديث الكثير من الشجن فجذبت ولدي و قلت له " تعال لأريك شيئًا " و أخذته لخزانة نضع فيها أشياءنا القديمة فأخرجت بدلة مغطاة بكيس من البلاستيك فأزلته لتظهر بدلة جيش كاملة ، فأخذ ولدي يمرر يده عليها ولفت انتباهه ذلك النسر بالقبعة ثم رفع نظره إليّ ليسألني من جديد " ماما ، بالمدرسة كان لدينا درس يقول أن الجيش يحمي الوطن من الأعداء ، كل من يلبس مثل هذه البدلة يحمي الوطن يا ماما ؟ "
ابتسم إليه و أومأ برأسي أن نعم فيحضنني و يقول " حين أكبر أريد أن أكون ضابط مثل جدي لأحمي الوطن "
استغرق بالنظر إليه طويلًا وأحمله في توأدة إلى سريره ثم أعود لغرفتي فأصلي العشاء و أركن للنوم إلى جانب زوجي .
صوت الهاتف يتعالى رنينه فأسرع لأرفع سماعة الهاتف و أجيب ُ
" آلو ، من معي ؟!"
" آلو ، أعطينا والدتكِ يا صغيرة "
" حاضر " أصيح " ماما ، تليفون "
تأتي أمي مسرعة لتلتقط سماعة الهاتف مني و ترد هي لألاحظ تغير بلونها و هي تقول " نعم ، فهمت " ثم تضع السماعة و يدها ترتعش وتسقط على الكرسي المجاور للهاتف و عيناها تحدقان في فزع ، أقترب منها أسألها " ماما ، ما بكِ ؟ " لا تنصت لي فأعيد الكرة فتنتبه هذه المرة لوجودي لتنظر لي بفزع أكبر ثم تجذبني إليها وتحضنني بقوة و عيناها تفيض بالدموع فوق كتفي و كلمات تخرج في غصة و ضيق متقطعة من حلقها " مات يا رنا ، مات ! "
أستيقظ فزعة من نومي و أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، أتحسس السرير بجانبي فتصطدم يدي بيد زوجي فأستعيذ بالله من الشيطان مجددًا و أحاول أن أعاود النوم من جديد .
طرقات متتابعة بقوة و غضب تتابع على باب بيتنا ، أستيقظ و زوجي فزعين وأفتح النور ثم أهرع لأرتدي حجابي و يسرع هو ليفتح الباب لأجد حسام وسلمى قد استيقظا على وقع الطرقات و أعينهما الناعسة تصارع لتفتح أجفانها علها تعي ما يحدث .
ما أن يفتح أسامة الباب حتى يندفع إلى الداخل مجموعة من الجنود و مع ضابط ليطالبوا زوجي بارتداء ملابسه و الخروج معهم فيسألهم أن يهدأوا لأن أطفاله مستيقظين و بإمكان الأمور أن تحل وديًا ليصيح الضابط " أنت لن تعلمنا كيف ندير عملنا ! " ثم يأمر الضابط الجنود بتفتيش البيت و ضبط أجهزة الحاسب و الكتب و الشرائط ، ببساطة أن يقلبوا البيت رأسًا على عقب .
اندفع لأطفالي وأحاول أن أغلق عليهم حجرتهم ثم أتوجه للضابط استعطفه أن يترك زوجي فيقول لي تلك هي الأوامر فأسأله و أنا أصرخ " ماذا فعل زوجي لتقتادونه في أنصاف الليالي كمجرم تبحثون عنه من فترة " فيبتسم لي " إن لم تكوني تعلمي فممارسة أفعال معارضة النظام هنا مدونة كجرائم درجة أولى " فأصيح بهستريا " فقط لأنه أحد هؤلاء الذين يرغبون بغد أفضل ، بحياة أكثر حرية ، بمواطنين بلا وصاية ، بوطن يضم أحلامنا جميعًا " يقترب أسامة مني و يسألني أن أهدأ و يقول لي " تلك ضريبة مستقبل أفضل لحسام و رنا " ثم يدنو مني و يقبل جبيني ثم يهمس بأذني " انتبهي لنفسك و لحسام و سلمى " أشرعُ بالبكاء و هم يقتادونه بعيدًا .
مازلت الطفلة تحدق بالباب تنتظر أن يدخل بلباسه المميز و قبعته ذات النسر الشامخ لتغني له
" يا عسكري يابو بندقية ، يا زينة الأمة العربية "
لكنه لا يدخل أبدًا من ذاك الباب.
يخرج حسام و سلمى ليقول لي حسام في براءة " ماما ، هؤلاء يرتدون ذات بدلة جدي ، بابا كان عدو للوطن يا ماما ؟!! "
" يا عسكري يا بو بندقية ، يا زينة الأمة العربية " هكذا أهمسُ بأذن والدي حين أجري نحوه وهو يزيحُ حقيبته الكبيرة ليفسحَ ليّ المكان في صدره الحنون ويخلعُ قبعة الجيش ليلبسني إياها فتتعالى ضحكاتنا ويتوجني بقبلة على جبيني ثم ينظر في عيناي ليقول " اشتقت إليكِ يا صغيرة ".
تقبلُ أمي وعيناها تلمعان ببريقٍ من الحنين يكشفُ شوقها فيحتضنها الوالد لتبكي فيبادرها بمرحه المعتاد " يا ستي اطمئني لا ناقص رجل و لا يد " فتبتسم له في حنان وما تلبث لحظة حتى تمسك ذراعه بقوة و عيناها تحتوي خوفًا غريب الملمح لتقول له في شجن " متى ستنتهي تلك الحرب لننعم ببقاءك هنا بيننا ؟! ، أنا ورنا نحتاجك ، لا أريد لرنا أن تمنح لقب اليتيمة يا عمرو !! " .
" ماما ، حسام أخذ كرتي ! " هكذا تخرجني سلمى ابنتي الصغيرة من طيف الذكريات الجميل الذي تبادر بخاطري في اندفاع عذب يملؤني بالدفء والشوق لوالداي رحمة الله عليهم ، ابتسم لها وأمسكُ بيدها وأضغط عليها بقوة وأشير لحسام أن يعطيها كرتها فيرميها لها بقوة وغضب فأدنو منه أقبل جبينه وأخرج من جيبي علكة لينسى أمر الكرة .
يندفع الاثنان أمامي في مرح وصخب طفولي علم بيتنا الفسيح كيف يجعل من أقتم لون بأركانه الكثيرة يشيع كلون صاخب مليئًا بالفرح ، مليئًا باليقظة ، مترقبًا في قلق ! .
يدق جرس الباب بذلك الرنين المنظم ذلك الرنين لا يشبه رنين آخر ، ثلاث رنات قصيرة ثم رنة طويلة ، هكذا كان يعلن دومًا حضوره ، يندفع حسام و سلمى يتسابقون لنيل شرف فتح الباب لصاحب الرنين الخاص و يتصايحون في جريهم " بابا ، بابا " ، وكالعادة يصل حسام أولًا و يفتح الباب ليحمله زوجي أسامة ويداعبه في حبٍ ثم تقبل سلمى باكيةً شاكية له حسام الذي سبقها و أخذ كرتها فيحملهما معًا واضعًا كل منهم على ذراع ثم يقول لحسام في مرح و استبشار " لماذا أغضبت أختك ؟ ، ألم أقل لك في غيابي أنت رجل البيت وعليك حماية أختك و أمك " فيرد حسام مبتسمًا " حسنًا يا بابا " فيتجه أسامة لسلمى و يبتسم لها في رفق و يقبلها و يقول لها " ذلك يكفي يا أميرتي ؟ " فترد أن لا وهي مقوسة حاجبيها فينزلهما مع على ذراعاه و يمثل أنه يضرب حسام ضربًا خفيفًا فتتهلل سلمى حين يدعي حسام أن يبكي في خبث فيحضنهما أسامة و هو يقول " أدام الله عليكما البهجة وجعلكما سندًا لبعضكما دومًا ".
كنتُ حين وصل أسامة أقف أراقبهم من بعيد منشرحة الصدر فهتفت و أنا أقبل نحوهم " وأطال الله عمرك كي تقر عينك بهم " فيلتفت لي ويبتسم وعيناه تلمعان في حبٍ ليرد عليّ و هو ينتصبُ " أنا و أنتِ ، آمين يا رب " ، ثم أقول له " هيا ، اذهب و أبدل ملابسك في حين أعد العشاء ".
انتهينا من العشاء و شرعت أعد حسام و سلمى للنوم لكن حسام كالعادة كان عنيدًا فأخذ يتقافز بأرجاء البيت وجعلني ألهث وراءه في مطاردة بدا فيها هو الغالب إلى أن اقترب من ذاك الركن الذي يجمع ذكرياتنا جميعًا في صور تذكارية فأمسكت به وألبسته ملابس نومه لتندفع أسئلة من طفلي الصغير عن الذكريات التي جمدتها هذه الصور الساكنة .
" ماما ، من هذا ؟"
" هذا عم والدك عميد العائلة ، كان طبيبًا كبيرًا في أيامه "
" وهذه أنتِ صحيح ، من معكِ ؟ "
" نعم هي أنا أيام الجامعة ، و هذه صديقتي أخت والدك "
" ماما ، ومن هذا الضابط ؟ " يبدو أن اللباس العسكري لفت انتباه حسام إلى حد بعيد.
" هذا جدك ، والدي ، أحد هؤلاء الشهداء بالحرب "
أثار بي ذلك الحديث الكثير من الشجن فجذبت ولدي و قلت له " تعال لأريك شيئًا " و أخذته لخزانة نضع فيها أشياءنا القديمة فأخرجت بدلة مغطاة بكيس من البلاستيك فأزلته لتظهر بدلة جيش كاملة ، فأخذ ولدي يمرر يده عليها ولفت انتباهه ذلك النسر بالقبعة ثم رفع نظره إليّ ليسألني من جديد " ماما ، بالمدرسة كان لدينا درس يقول أن الجيش يحمي الوطن من الأعداء ، كل من يلبس مثل هذه البدلة يحمي الوطن يا ماما ؟ "
ابتسم إليه و أومأ برأسي أن نعم فيحضنني و يقول " حين أكبر أريد أن أكون ضابط مثل جدي لأحمي الوطن "
استغرق بالنظر إليه طويلًا وأحمله في توأدة إلى سريره ثم أعود لغرفتي فأصلي العشاء و أركن للنوم إلى جانب زوجي .
صوت الهاتف يتعالى رنينه فأسرع لأرفع سماعة الهاتف و أجيب ُ
" آلو ، من معي ؟!"
" آلو ، أعطينا والدتكِ يا صغيرة "
" حاضر " أصيح " ماما ، تليفون "
تأتي أمي مسرعة لتلتقط سماعة الهاتف مني و ترد هي لألاحظ تغير بلونها و هي تقول " نعم ، فهمت " ثم تضع السماعة و يدها ترتعش وتسقط على الكرسي المجاور للهاتف و عيناها تحدقان في فزع ، أقترب منها أسألها " ماما ، ما بكِ ؟ " لا تنصت لي فأعيد الكرة فتنتبه هذه المرة لوجودي لتنظر لي بفزع أكبر ثم تجذبني إليها وتحضنني بقوة و عيناها تفيض بالدموع فوق كتفي و كلمات تخرج في غصة و ضيق متقطعة من حلقها " مات يا رنا ، مات ! "
أستيقظ فزعة من نومي و أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، أتحسس السرير بجانبي فتصطدم يدي بيد زوجي فأستعيذ بالله من الشيطان مجددًا و أحاول أن أعاود النوم من جديد .
طرقات متتابعة بقوة و غضب تتابع على باب بيتنا ، أستيقظ و زوجي فزعين وأفتح النور ثم أهرع لأرتدي حجابي و يسرع هو ليفتح الباب لأجد حسام وسلمى قد استيقظا على وقع الطرقات و أعينهما الناعسة تصارع لتفتح أجفانها علها تعي ما يحدث .
ما أن يفتح أسامة الباب حتى يندفع إلى الداخل مجموعة من الجنود و مع ضابط ليطالبوا زوجي بارتداء ملابسه و الخروج معهم فيسألهم أن يهدأوا لأن أطفاله مستيقظين و بإمكان الأمور أن تحل وديًا ليصيح الضابط " أنت لن تعلمنا كيف ندير عملنا ! " ثم يأمر الضابط الجنود بتفتيش البيت و ضبط أجهزة الحاسب و الكتب و الشرائط ، ببساطة أن يقلبوا البيت رأسًا على عقب .
اندفع لأطفالي وأحاول أن أغلق عليهم حجرتهم ثم أتوجه للضابط استعطفه أن يترك زوجي فيقول لي تلك هي الأوامر فأسأله و أنا أصرخ " ماذا فعل زوجي لتقتادونه في أنصاف الليالي كمجرم تبحثون عنه من فترة " فيبتسم لي " إن لم تكوني تعلمي فممارسة أفعال معارضة النظام هنا مدونة كجرائم درجة أولى " فأصيح بهستريا " فقط لأنه أحد هؤلاء الذين يرغبون بغد أفضل ، بحياة أكثر حرية ، بمواطنين بلا وصاية ، بوطن يضم أحلامنا جميعًا " يقترب أسامة مني و يسألني أن أهدأ و يقول لي " تلك ضريبة مستقبل أفضل لحسام و رنا " ثم يدنو مني و يقبل جبيني ثم يهمس بأذني " انتبهي لنفسك و لحسام و سلمى " أشرعُ بالبكاء و هم يقتادونه بعيدًا .
مازلت الطفلة تحدق بالباب تنتظر أن يدخل بلباسه المميز و قبعته ذات النسر الشامخ لتغني له
" يا عسكري يابو بندقية ، يا زينة الأمة العربية "
لكنه لا يدخل أبدًا من ذاك الباب.
يخرج حسام و سلمى ليقول لي حسام في براءة " ماما ، هؤلاء يرتدون ذات بدلة جدي ، بابا كان عدو للوطن يا ماما ؟!! "
التسميات: جِهَادِيَّاتْ قصة
الاثنين، ٩ أبريل ٢٠٠٧
صَباحاتكم مهشمة ॥
نصٌ مهدى خصِيصًا لألاء وأهل ألاء : )
تمتزجُ الصورُ المغتالةُ بإخدودِ الجسدِ المنتفضِ ..
و الوجه المخملي له في المرآة ثالثُ صورْ .
وجه الطفل الذي سأكونُ،
وجه الشيخِ الذي كنتُ ،
و وجهي المكلل بنقشِ بياض ..
(1)
قد كان هناك ..
يحبو فوق صدر النقش المدفون في عمقِ هذه الأرض
يناظرها
و ينساب بها و لها
و يغدوان واحد
أرضٌ و طفل قد كان ..
الرسغ فوق ثراها منقوش عليه سر الأرض
سر الظمأ إلى عبقِ الراحل في دفئها ..
حين يصير الميلاد القادم نهرًا تفهمه الأرض ..
لكنه يخبو قبل الميلاد
قبل أن يحبو للأرض و على الأرض
و يغتاله ما فوق الأرض
و العين يمنحني إياها تذكارً
و النهر المترنم يسقط من رسغه ليغطي الأرض
و يزيل النقش
فأنسى أن أغتال العمر
و انسكب في مجرى بندقية و نام في ركن الصمت ..
(2)
يا شيخ هل تفهم سر الظمأ المنتفض في هذا الجسد ؟
يرفعني فوق المطر
و ينادي الجبل
و يسامر وطن
طقسًا للأرضِ عملني و في راحتي أودعني النقش
نقش الأرض و وترها المقطوع
و على عجلٍ ينصهر الشيخ
و ينتهي راكبًا فوق جناح الرحيل البارد
و يندو و جبينه يدمي بالماء المتدفق من عمقِ الأرض نحو الغروب
يغني بصوت مبحوح
و القيثار يعزف في دم ..
و يستحيل أمامي عزفًا مبتورا ..
و ينسكبُ من جديد في مجرى بندقية و ينامُ في ركنِ الصمت ..
(3)
أطبق أجفاني و أعيدُ حملها ..
أنظر في مرآة الأرض
و أكحل عيني بمكحلة بها عبقٍ دم الأرضِ
لكن لا أحفل ..
و أكلل رأسي بتاج من كفِ الأرض المبتورة
و لا أحفل أيضًا
وأتابع عزفي فوق قيثارةِ الدم ..
فأنا و البندقية اليوم أنصاف روح ..
و الأرض فلتبقى نصفًا ينتظرُ أن يجيء من يكمله ..
التسميات: جِهَادِيَّات نَثْر
السبت، ٧ أبريل ٢٠٠٧
।والمساء اليوم يختلفْ
لم أعتد بحياتي أن أتعامل مع عقليات بهذا الشكل يومًا ، عجيب أسلوبهم ، وعجيب منطقهم ، وعجيب أكثر رؤيتهم القائمة على استنتاجات وسوء ظن لا أكثر و لا أقل
أمامي كان نموذج عجيب للطابع البشري الذي يتختلط فيه معنى الإقناع مع التسخيف ، التأويل مع الإصرار ، تسفيه الناس مع تعظيم الذات في إنكار كامل لاحتمالية خطأه أعترف أني ارتبكت لكن على رأي الزميل خالد أفضل الحلول
الإدعاء أننا أفيال إفريقية ضخمة تنأى بذاتها عن جحور الضباع !
تحيا الأفيال الأفريقية :) ، ولتسقط الضباع !
مساءكم مستنير بإنارة عقولكم
التسميات: جِهَادِيَّات يوميات
الجمعة، ٦ أبريل ٢٠٠٧
خلاص يا بلد ..!
لساكوا بتعيدوا الكلام ،
مستنين حواديت زمان
ترجع هنا
في القهاوي
في الغيطان
في المصانع والحارات
لساكوا بتعدوا الخطاوي
من ورا الأحلام !
وتقولوا نستنى بكرا
نستنى الدنيا صافية
والأرض ناسية
وقلوبنا فوقها تمشي حافية
متخفش ضلمة
أو حتى رمية
برصاصة طايشة !
بتقولوا بكرا حيجي أبيض
وبتحلموا
بشكل بكرا !
لساكوا بتعيدوا الكلام،
وخلاص نسيتوا قوام
إن بكرا عنده سرطان
خبيث
يحتاج علاج بالكيماوي
ولأننا فلاحين
صغيريين غلبانيين
معندناش تمن العلاج
بالكيماوي !
انسوا الكلام
الحلم كمان موتوه
أو حتى علقوه
ولا أقلكوا
أحسن اشنقوه على باب زويلة !
لساكوا بتعيدوا الكلام ،
مستنين حواديت زمان
ترجع هنا
في القهاوي
في الغيطان
في المصانع والحارات
لساكوا بتعدوا الخطاوي
من ورا الأحلام !
وتقولوا نستنى بكرا
نستنى الدنيا صافية
والأرض ناسية
وقلوبنا فوقها تمشي حافية
متخفش ضلمة
أو حتى رمية
برصاصة طايشة !
بتقولوا بكرا حيجي أبيض
وبتحلموا
بشكل بكرا !
لساكوا بتعيدوا الكلام،
وخلاص نسيتوا قوام
إن بكرا عنده سرطان
خبيث
يحتاج علاج بالكيماوي
ولأننا فلاحين
صغيريين غلبانيين
معندناش تمن العلاج
بالكيماوي !
انسوا الكلام
الحلم كمان موتوه
أو حتى علقوه
ولا أقلكوا
أحسن اشنقوه على باب زويلة !
التسميات: جِهَادِيَّاتٌ عامية
الأحد، ١ أبريل ٢٠٠٧
خِطَابٌ مدمُوغٌ بِالعَّار..
إهداء
لَنَا حِينَ نسلكُ الطرقَ الرَّديئة،
حِينَ نَرتَضي بكراتِ الوحلِ زَيتُونًا،
حِينَ نَقرضُ تَجشُؤاتنا في قَصيدة،
أو حِينَ نَلبسُ العَباءةَ القيصَريةَ لنتلو في صَلواتِنا " إنَّ اللهَ لا يُحبُ كلَّ مختال فخور"
استهلال..
" أين الطريق إلى جهنم؟
فالحياة هنا بكف الموت قنبلة يوشك أن يفجرها الفتيل"
حسن بيومي
(.)
خَطُّ استِواء يَختَرقُ ذَاكَ الجَسَدِ الجَدِيدِ مارًا بالفُؤادِ مُودعًا إياه سر القلُوبِ الكَبيرة.
(1)
ألقَاها في صَدْرِ الشَّارعِ ،
نَبْضُ فُؤادٍ مُؤَجَّلٍ
مُفَجر
فَوقَ أرصفةِ ضوءٍ لا ينتمي لها هنا
بَينَ بنَاياتٍ سَكنتنا لكنها لفظتنا.
مِرْسَالُ عُيون يمزجنَا،
يُسكرُ قَامتينا،
يَسكبنا في جَسدٍ واحد.
آه يا رَفيقة،
سَعيدةٌ أنا ؛
لأنكِ هنا تلهوين بقطعِ جَسَدِي المُبعثرة.
تكتُبيني بحبرِنا الخفي،
مَزِيجُ قَطْرتي دَمنا،
بقيةٌ من ثَرى مَنْف القَدِيمة،
قَليلٌ من زَهرِ البَنَفسجِ المَزروعِ بمَسَاماتنا الصَّغيرة.
تَذكرين الحَكايا القَدِيمة،
حينَ كُنا دواري شَمسٍ مَشْرقيّة،
و حِينَ أسْدلنا فُستَانينا الأسودين
فَوقَ البَدرِ لنحيله مُحاقًا.
آه يا رَفيقة،
سعيدة أنا !!
فإني أفهمُ سِرَ القلُوبِ الكبيرة.
(2)
وحَولَ صَاريتكِ الأخيرةِ أدورُ وحِيدةً تَلْحقني ترنيماتِ غرابٍ كَاحِل السَّواد.
(3)
دُخَانٌ كَثِيفٌ يَخْتَرقُه طَيْفُ خواءٍ عَظِيمْ.
(4)
أنْتفضُ فيُغَادِرني ذَاكَ الخَطّ المستَوي.
(5)
مَدَارٌ للسَّرَطَانِ يَخْتَرقُ هذه العُيون المذهُولة ليَنزعها شَيئًا من هَيبتها القُدسِيّة.
(6)
أتَحَسسُ مَسِيري،
بجِدَارٍ يَحجبُني الرؤية.
يَتَوقفُ جَسَدِي فأسألُ:
" أين؟"
فيقُولون: " حَي الحُسَين "
فأهْتفُ: " هنا يَرقدُ الحُسَين؟! "
فيُجيبُون: " نعم، هنا يَرقدُ الحسين "
واشْتاقَ قَلبِي للحسين،
و مَقامِ الحسين،
و جَلال الحسين،
و يَدِ الحسين.
يا حسين،
هَل يَستَحيلُ قَدَحُ اللبنِ (( قُدسي الصنْع))
كَأسَ مارتيني (( طِيني الصُنع))؟
وجِرارُ الفِضةِ أتنكسرُ لتغدو
جَرةَ فُخارٍ مَمزوج بالقَشِ ؟
آه يا حسين
أيُّ آلام أقاسيها؟؟!
ووحيدة بَكيتُ حَولَ الحسين عشرةً من الأعوامِ
أناجي الحسين
و أخبئ دُموعي في دِهليز جَنْب الحسين.
(7)
في الأفقِ السَّيمفونيةُ القَذِرة يُعادُ تَصديرها بَعدَ إعادةِ تَغْليفٍ و تَنميقٍ و تَطميس.
(8)
يَنْفرُ الدُخَانُ من شيءٍ مُوحش و مُقزز.
(9)
أنُتَفِضُ فيغادرني المَدارُ القَديم .
(10)
مَدَارٌ للجَدي يَخْترقُ هَذا الجَسَد المنهَك فَيبترُ له قَدمًا
(11)
الوجُوهُ هنا قَوالب إسْمنتية،
منحوتة فوقها ابْتسامات صَخريّة.
و الإلهُ هنا ورقةٌ ذَات وجْهَين
بغيضين،
يَلتفُ بينهما دوارُ جهنم شرْقيّة.
ورَماديٌ يرقدُ هنا الحُسين
يَنسابُ خَيطًا،
يَتَلاشى خَيطًا،
يَتَمادى بِدونِ رؤية.
ديوانُ الشّعرِ القَديمِ منثورة أوراقه
فَوقَ قَبره
بين صَدره
منْسوجة في خيوطِ كفنه
تَتَوازى و مَسَارات بنانه.
أمضي بعُكازٍ من خشبِ الزان
لأسأل النَاسَ:
" بحقِ الله "
الصّورُ منيرةٌ حَد العمَى
لكنهم لا يعطوني شيئا
فأسأل:
" بحقِ الحسين!"
قَنَاديلُ بني هاشم مازالت تملأ عيني
لكنهم لا يعطوني
فأسأل:
" بحقِ الشَّمسِ، بحقِ استكانة الأرواحِ فَوقَ أعتابِ المذابحِ القُدسيّة!"
و لا يعطوني شيئاً
فأسأل:
" بحقِ جهنم، بحَقِ الشّيطانِ ، بحقِ الدِّماءِ السَّوداءِ في قُبُورِ المُبعدين! "
فيعطوني لأشبعَ حتى السَّواد.
(12)
انتِفَاخٌ حَد سَوادٍ جديدٍ، مُبهرٍ بقذارةٍ حَد السَّكرْ.
(13)
ومَلامحُ الوَجهِ المُوحشِ تَستبين.
(14)
أنتفضُ فيغادرني المدار الجديد.
(15)
مَداران قَصيان يَخْترقان ذاكَ الجَسدَ المُحتضرَ في ذاتِ اللحظةِ ليغتَالا له بقية مَا بقي.
(16)
موَائدُ الطِينِ فاخرة.
أتَناولُ زَيتونًا من كراتِ الوحل،
و أتبعُه برشفةٍ من كأسِ لبنٍ ممزوج بحباتِ تراب.
أتجشأ،
فيخبروني: " ما أحلاها من قصيدة!"
الليلةَ أتسللُ لأصلي جنبَ الحُسين،
أرتَدي ملابسي القيصرية
وأجلسُ عِندَ الحُسين
فأصلي و أناجي
" يا حسين!"
فكأنَ يد الحُسين تهدهدني.
أعتدلُ لأرحل
لكني قبلاً أكشفُ عن فأسٍ
ذهبية
و عليها نقوش فينيقية
و بِحلمٍ أنبشُ قبرَ الحسين
وأهدمُ جَلال الحسين
و مقام الحسن
و يد الحسين.
و بنفسِ الفأسِ أهدمُ صاريتكِ يا رفيقة
يتصدعُ صدرُ المسارِ
و ينحني،
لينكسر و ينتهي.
زنابقٌ سوداء تختنق،
في قبضةِ كف.
و الزيتون الأخضر
يستعيرُ رداء الزنبقةِ السوداء.
" أيمكنُ أن يوجدَ لون أسود وكئيب هكذا"
(17)
انفجارٌ أسود متداخل بالذهول.
(18)
مَطموس الملمح
(19)
أنتفضُ فلا يبقى هناك جسد
(20)
تلاشي
التسميات: جِهَادِيَّاتُ نَثْر
الأربعاء، ٢٨ مارس ٢٠٠٧
إهداء .
بينَ مقْبرةٍ يُعدُ بها شَاهدٌ يحملُ اسمها ، بينَ مَلْهى تُوزعُ فيه – مجانًا – كُؤوسٌ على شَرفِ اسمها وبينَ حمى أبيضٍ تسنده أكفٌ قُدْسِيّة ، يَترنحُ إهدائي ..!
اسْتِهْلالْ
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ------ وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
بينَ مقْبرةٍ يُعدُ بها شَاهدٌ يحملُ اسمها ، بينَ مَلْهى تُوزعُ فيه – مجانًا – كُؤوسٌ على شَرفِ اسمها وبينَ حمى أبيضٍ تسنده أكفٌ قُدْسِيّة ، يَترنحُ إهدائي ..!
اسْتِهْلالْ
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ------ وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ---- على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى
سلامٌ على بلدٍ صُنتُه ------------وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى
كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق---------- على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى
الجواهري
بغداديات عباسية :
تبدو السَّمَاءُ هُنا بِلا مَثَلٍ
الحُلْمُ فيها يَبْتسمُ،
والصَّوتُ فيها يختلفُ،
والقَلْبُ فيها يرتقبُ،
و الصّبحُ فيها مُنْتظِرْ.
فَمدينتي قدْ جَمَعت كلَّ شَمْلٍ
الأرضُ تحْتَضنُ السَّماءَ،
و الطفلُ يقتطفُ النجومَ المتلألئاتِ
بسلةٍ
منسُوجة بتُرابِ القَمَرْ .
والشَّمْسُ عذراءٌ ترقدُ في ثرى الفيحاءِ،
تَسْتَظلُ ببستانِ بابلِ ،
تَغْتَسلُ بماءِ دجلةِ ،
و الحُزنُ منها يَسْتَتِرْ.
عَجزتُ أنْ أغني الحُلمَ فيكِ بقُوْلٍ
أنْ أصوركِ برسْمٍ،
أنْ أتلوكِ بنَغَمٍ ،
أنْ أحملكِ في كفٍ،
وأودعكِ قلبًا بحبكِ مُنْفطِرْ.
لتبقي أنتِ حُـلْم الوطَنِ،
وتغدو الأوطَانُ شَهقةً عذبةً كالمَطَرْ.
كالغيمِ ينقشعُ متطأطئًا
و الغيثُ يتقدمُ منتصِرْ.
وتَبقي بغداد أنتِ
نَديم الليالي
أنِيس السَّمرْ.
بغداديات معاصرة :
مَنْ كانَ يدْري
حُلمكِ المَوعودِ يَذهَبْ؟!
أو أنْ طفلكِ الصَّبوحِ
ينسى نَجمه ثم يرْحلْ ؟!
وفتَاكِ الأغر
في الميدانِ يسْطعُ ثم يشحُبْ؟!
مَنْ كانَ يدْري
لَيلكِ المُشتاق يأتي،
يخبئكِ
بغمدِه الذي من ذّهَبْ؟!!
ينْفيكِ عن أرضِ السَّماءِ،
كي لا تراكِ عينٌ
أو تخدع بكِ أذن.
لنتركَ فيكِ حُلمَ الوطنِ
وننسى شكلكِ في عودِ الخشبْ.
أريدَ بكِ أن تُنسي
ولقد نسيتكِ.
بغدادُ عذرًا،
فَلقد نسيتُ نكهاتِ أتماركِ.
ونسيتُ ترتيبَ أحلامكِ،
وسطور أشعاركِ.
ونسيتُ تنظيمَ أنغامكِ
وضفاف أنهاركِ.
ونسيتُ حبكِ
حبٌ يساومُ بالذهَبْ.
بغداد،
إني لا إليكِ أنتمي،
بغداد،
حبكِ ليس يقطرُ في دمي .!
تبدو السَّمَاءُ هُنا بِلا مَثَلٍ
الحُلْمُ فيها يَبْتسمُ،
والصَّوتُ فيها يختلفُ،
والقَلْبُ فيها يرتقبُ،
و الصّبحُ فيها مُنْتظِرْ.
فَمدينتي قدْ جَمَعت كلَّ شَمْلٍ
الأرضُ تحْتَضنُ السَّماءَ،
و الطفلُ يقتطفُ النجومَ المتلألئاتِ
بسلةٍ
منسُوجة بتُرابِ القَمَرْ .
والشَّمْسُ عذراءٌ ترقدُ في ثرى الفيحاءِ،
تَسْتَظلُ ببستانِ بابلِ ،
تَغْتَسلُ بماءِ دجلةِ ،
و الحُزنُ منها يَسْتَتِرْ.
عَجزتُ أنْ أغني الحُلمَ فيكِ بقُوْلٍ
أنْ أصوركِ برسْمٍ،
أنْ أتلوكِ بنَغَمٍ ،
أنْ أحملكِ في كفٍ،
وأودعكِ قلبًا بحبكِ مُنْفطِرْ.
لتبقي أنتِ حُـلْم الوطَنِ،
وتغدو الأوطَانُ شَهقةً عذبةً كالمَطَرْ.
كالغيمِ ينقشعُ متطأطئًا
و الغيثُ يتقدمُ منتصِرْ.
وتَبقي بغداد أنتِ
نَديم الليالي
أنِيس السَّمرْ.
بغداديات معاصرة :
مَنْ كانَ يدْري
حُلمكِ المَوعودِ يَذهَبْ؟!
أو أنْ طفلكِ الصَّبوحِ
ينسى نَجمه ثم يرْحلْ ؟!
وفتَاكِ الأغر
في الميدانِ يسْطعُ ثم يشحُبْ؟!
مَنْ كانَ يدْري
لَيلكِ المُشتاق يأتي،
يخبئكِ
بغمدِه الذي من ذّهَبْ؟!!
ينْفيكِ عن أرضِ السَّماءِ،
كي لا تراكِ عينٌ
أو تخدع بكِ أذن.
لنتركَ فيكِ حُلمَ الوطنِ
وننسى شكلكِ في عودِ الخشبْ.
أريدَ بكِ أن تُنسي
ولقد نسيتكِ.
بغدادُ عذرًا،
فَلقد نسيتُ نكهاتِ أتماركِ.
ونسيتُ ترتيبَ أحلامكِ،
وسطور أشعاركِ.
ونسيتُ تنظيمَ أنغامكِ
وضفاف أنهاركِ.
ونسيتُ حبكِ
حبٌ يساومُ بالذهَبْ.
بغداد،
إني لا إليكِ أنتمي،
بغداد،
حبكِ ليس يقطرُ في دمي .!
التسميات: جِهَادِيَّات شعر
الاثنين، ١٩ مارس ٢٠٠٧
بائسة أيامنا يا صديقي !
حبةُ فول مشقوقة نصفين ، جديرا بالملاحظة ، جديرا بإزعاجِ أعيننا بإلقاء ضوءٍ عليهما – من زاويتي ضوءيهما هم لا ضوءنا -
++++
"دقائقٌ ، يا أمي وأنتهي "
أماطلها كعادتي حين أتسمرُ أمام شاشةِ حاسبي متنقلةً بين نوافذِ الشبكة وبرامجِ مشروعاتي اللامنتهية في محاولة يائسة مني لكسبِ القليل من الوقتِ الإضافي .
" حنان ، سأخرجُ الآن كي أزور خالتكِ أم أحمد لأهنئها بنجاح ابنها،وعليكِ إعداد الغداء في غيابي "
أومأ برأسي وعينايّ مازالتا معلقتين بالشاشة فتزجرني الوالدة قائلةً " وإن سمحتِ اغلقي الجهاز حالًا ! "
أضغطُ على زر إطفاء الشاشة وابتسم بشيءٍ من التكلفِ لها و أقوم لأبدأ بما أمرتني به و تغادر هي.
وما هي إلا دقائق بل لحظات وكان الأرز على النار لينضج والباقي لحقه وعدتُ لأتابع شاشتي الحبيبة .
كان غريبًا بل جد غريب أن تطالع شاشة الصفحة لتجدها موقع متخصص بالأخبار فالعادة أني لم أكن يومًا ممن تجذبهم رائحة السياسة وكما أني لستُ من هؤلاء منزوعي القلوب ممن يحدقون طويلًا بالجثث والدماء.
لكنه اليوم شيء آخر، شيءٌ أفاض بي رعشات متواطئةً مع سطور الصفحة وانتابني شعور لم أجربه قط ، يحمل من القسوة قدرًا كذاك الذي تحمله انتفاضة الرعد مخترقة سَكينة غصن ويحمل من المفاجئة كمثل ذاك الذي تباغت به القطة عصفورًا أحمق .
أشعر كأني مصابة بسطحية من الدرجة الثالثة – ربما من الثالثة إلا ربع إذا حسبنا عمق معارفي التعليمية ! – لكني لم أردْ أن أكون سطحية يومًا ،هم أرادوني كذلك فكنتْ !
خبر هامشي بركنِ الصفحة – بالطبعِ بالمقارنة مع خبر آخر اتصالات الرئيس أطال الله عمره – فدائي يفجر نفسه بدورية أمريكية بالرمادي الليلة الماضية ، ضغطت عليه و جاءت تفاصيل سخيفة لم تعطني أكثر مما أعطى عنوان الخبر لكن رابط لصفحة أخرى كان نافذتي لصفحة تالية كانت و يا لدهشتي صفحتين وُجدتا بالحدث ، كلاهما من قالب المذكرات اليومية الشخصية لكن الغريب أن إحدهما كانت لمنفذ العملية و الأخرى لأحد جنود الدورية الأمريكية وبدأتُ بالقراءة.
تَرقبُ منتصف ليلة :
ثقيلة إغفاءة الوَقْتِ حِينَ ترتقبُ أمرًا لكنه يُدهشك أيضًا حِينَ يَمرُ كخيطِ انفجار شفقٍ شَتَوي لَمْا ترتجيه لو يَحل ضيفًا لديكَ
وها أنا أنتظرُ لعله يمضي فأنالُ في خلسةٍ منه بعض المجد فأهديه حين ارتحلُ قومي بعدي في وصيةٍ ممزوجة برائحة مسكٍ وفي شريطٍ قصير يحكي القصة بلا كذب في زمن يعد فيه الشهود العدل على أصابع اليد الواحدة.
انتهى الإخوان في مساء أمس من إعداد حزامي الناسف وها هو أمامي أتأمله فكأنه يبدو لي كطريقي الممهد نحو الجنة ، آه نعم إنها الجنة وويحي أن تصرفني الدنيا عنها .
ما زلتُ أذكر حديثَ القائد والأخ المجاهد أبو أنس حين هتف إلى جانبي مرة بإحدى معاركنا الصغيرة حيث استشهدْ "بحواصل طير خضر بالجنة ، بالجنة ، الجنة " ..
كما ألجمني هذا الثبات حين ارتعبت أنا ، كم أدهشني هذا الإيمان حين اهتزت روحي ، كم أثارتني هذه الشجاعة حين جبنت أنا ، لكن اليوم الفرصة لي كي ألحقه وأواكب رحله .
آه الذكريات ترتع اليوم بأرض عقلي و روحي حتى لكأني أجدني بمسرح حياتي يتابع الممثلون على خشبته أداء تفاصيل مسرحية حياتي بكل تفاصيلها الصغيرة .
أذكرُ كيف بدا وجه أخي الذي بات عاجزًا عن تنفس هواءنا وكأنه يصيحُ فيَّ أن الدم لا يرتاح إلا بدم ، أي مهند لم أنسى وها أنا أخضبهم بدمهم كي يرتاح دمك الذي مزج بترابٍ من عار .
أذكرُ أختي حين أتتني تتساقطُ كورقةٍ ذابلةٍ في ربيعٍ نابض ، أتتُ تصيحُ ذات صيحة مهند بكل تفاصيلها وتردداتها أيضًا لم أفهم بالبداية لم تكن تمتماتها مفهومة لكن علمت بعدها أن ما بصدرها لم تكن لتحتمله الكلمات ، لم تكن لتحتمله أبدًا ، فاطمة الصغيرة جرعوكِ سمًا وألمًا كنتِ أصغر من أن تحتمليه ، أصغر بكثير ولأجلكِ سأشربهم بكأسٍ أخرى لكن أكثر ألمًا يا أختي .
هم أرادوها حربًا و ها نحن نحيلها جهنم !..
استراحة منتصف ليلة :
لم أدر يومًا أن تنفس الصعداء بعد كتم نفسي سيتطلب مني يومًا كاملًا بل لم أكن أدري أنه ليبدو بتلك المشقة و لم أكن أعلم أن ليصبح –تنفس الصعداء- أمرًا بتلك اللذة وتلك النشوة.
أن تكونَ جنديًا بالعراق فأنت تدري ما أقول وأن تكون منطقتك الرمادي أو الفلوجة أو بغداد فأنت تعلم بعمق ما أعني .
الأيام تمر ببطء يبدو لي كخنجر بهلواني بالسيرك أقف أمامه وهو يقذف بخناجره حولي في استعراض سخيف و أنا بالمنتصف متسمرًا أدعو الله ألا تصيبني إحدى خناجره ففترة تجنيدي الإلزامية ما زال أمامها الكثير لتنتهي و الأوضاع هنا لا تبشر بالخير .
الناس هنا لم تكن كما أذاعوا لنا عن أنهم يرغبون بوجودنا كحماية واستقرار و تحرير لهم ! ، الكل هنا ناقم علينا ، ينظرون لنا كطفيليات فوق أجسادهم تتغذى عليهم وتصيبهم بالوباء .
الحكومة كذبت علينا ، حتى اليوم لا يملك قوادي جوابًا مقنعًا لسؤالي الدائم ما مهمتنا هنا ؟ و متى تنتهي ؟
الكثير من الزملاء الجنود ينتهكون القوانين كحيوانات تتصنع الدعة ارتقبت أن يخرجوها من الحبس لتنهش أول من قابلها .
مازال يلح على السؤال هل كان ما فعلناه هو مباديء الولايات المتحدة الديموقراطية التحررية ، لا يمكن أن يسموها حرية ما فعلوه هو أتوا ركن حبس الأسود بحدائق الحيوان جميعًا و أطلقوها بالمدن المسالمة لمجرد الشك أن فأر يسكن إحدى الأبنية وبحجة تشبه القطط تأكل الفئران فأطلقوا قطط وراء الفئران لتتخلصوا منها وبفرضية تشبه بما أن الأسود تتبع فصيلة القطط لكنها أكبر و أشرس فإطلاقها سيكون أقوى تأثيرًا !
أدري أني سأخرج من هذه التجربة – إن خرجت بالأصل – مثقلًا بقطوف الندم و الانكسار أو ربما فقدان بشريتي أو حتى إيصالي لجنون ما لكن يبدو أني مطالب شئت أم أبيت أن أبقى فلا حيلة بذاك العقل الخرب كي أعيل عائلتي الصغيرة .
اليوم قتل زميل لي ومن حوالي أسبوع قتلتُ ثلاث عراقيين بدمٍ بارد ، شيءٌ مني بدأتُ أفقده لأكتسب شيئًا لا يخصني ، شيءٌ جد حقير وكل يوم يرحل عداد الضحايا يرتفع ويرتفع عدد المفقودات بداخلنا ويرتفع عدد الطفيليات المكتسبة لداخلنا.
كم هو عالم مجنون هو عالمنا وكم هي ضيقة حدود عقولنا.
عجيب بل جد عجيب حقًا كيف تبدو الصور الكاملة غريبة !
أسمع صوت صرير الباب ينفتح بينما تصيحُ أمي " حنان رائحة شيء يحترق!"
أغلق الشاشة سريعًا و أهرول تجاه المطبخ لأنقذ ما تبقى .
التسميات: جِهَادِيَّات قصة
الجمعة، ١٦ مارس ٢٠٠٧
: )
صباحكم خيرات و صباحي بداية صفحات
بعد صراع طويل مع التصميم المتواضع واللعب ببرمجة القالب انتهينا
بسم الله ، توكلتُ عليه .
سأعودُ قريبًا
التسميات: بداية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)